مقالة عن مصر للطيار
إلى أن يصدر بيان رسمي من جهة معتمدة حول أسباب سقوط طائرة شركة «مصر للطيران» الخميس الماضي في قلب المتوسط، سيبقى السباق محموماً بين وسائل الإعلام للتكهن بأسباب الكارثة. أما هذه الأمواج العاتية من المعلومات المغلوطة والفبركات المقصودة والمزاعم المتعمدة والتسريبات الاستخباراتية المعهودة والاجتهادات الإعلامية والصحافية غير المسبوقة فلا يمكن الاعتداد بها، إذ اختلط فيها كثير من الكذب بقليل من الحقائق، وطوفان من الشماتة برذاذ من الإنسانية، وسعي حثيث نحو دفع شعب إلى الموت على رغم أنه لا يهابه.لذلك لا أتوقع أن تحظى الدعوة التي أطلقها الإعلامي المصري أسامة كمال عبر برنامجه التلفزيوني الناجح «القاهرة 360 درجة» إلى مسيرة بالشموع مساء الخميس المقبل لتأبين ضحايا الطائرة المصرية من المصريين والأجانب، باهتمام أو حتى تغطية محدودة من وسائل الإعلام الغربية، أو القنوات الداعمة لـ «الإخوان» التي تبث من خارج مصر. أما إعلام «الجماعة» فسيتعامل مع الحدث بالطبع باعتباره وسيلة للتغطية على فشل السيسي، ومحاولة لمنع الانقلاب من أن يترنح!
الدعوة التي حظيت باهتمام بالغ من الأوساط الشعبية المصرية قبل الرسمية، مثلت رد فعل عفوياً للناس في مصر الذين يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة وظروفاً أمنية معقدة ومعضلات حياتية متكررة، لكنهم يدركون أنهم يدفعون ثمن بقاء بلدهم موحداً متماسكاً من دون أن يسقط أو يتفتت، أو يدخل أبناؤه في صراعات مسلحة وحرب أهلية.
اختار كمال أن تحمل المسيرة عنوان «معاً من أجل الحياة» ليناقض ما تسعى إليه كل الجهات التي استخدمت كارثة الطائرة لتسير في اتجاه الموت لبقية الأحياء في مصر. ويكفي الاطلاع على بيان «الإخوان المسلمين» الأخير حول الكارثة لإدراك المدى الذي ذهبت إليه الجماعة، فإما عودة «الإخوان» إلى الحكم وإما استمرار الكوارث!
عموماً سيكون خبر المسيرة هو الأول في وسائل إعلام غربية إذا ما هتف المحتشدون فيها «يسقط حكم العسكر»، وستوزع الصور على المواقع الإلكترونية وستتصدر الشاشات «الإخوانية» إذا ما رفع المشاركون علامة «رابعة» أمام العدسات. بغير ذلك لا مجال عند هؤلاء لتغطية أو اهتمام. يسأل بعض المصريين أنفسهم لماذا يتعاطى الإعلام الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، مع الأحداث في مصر بأقصى درجات التحيز وغياب الموضوعية؟ وهم يدركون أن نظام الحكم بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة لم يسر في سياسات معادية للأميركيين مثلاً، أو أقدم على أي خطوة تترجم على أنها سبب في معاناة أو ضغط من أي نوع على المواطن الغربي والأميركي في بلده.
حال الدهشة تلك تجاه تصرفات الإعلام الغربي تزول عند ملاحظة التناقض في التعامل مع واقعتين لا يفصل بين حدوثهما إلا شهور قليلة، فحين سقطت الطائرة الروسية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ ذهب كل المعلومات والتحليلات والآراء إلى إدانة المطار الذي أقلعت منه الطائرة، بينما جيّش الإعلام الغربي كل أدواته وأفراده عند سقوط طائرة «مصر للطيران» لتبرئة مطار «شارل ديغول» الفرنسي، والبحث عن دليل لإدانة الطيار أو الطائرة أو الشركة!
عموماً يكفي النظر إلى الطريقة التي يتعامل بها الإعلام الغربي مع قضية الإرهاب في سيناء، والحوادث التي تقع في مدن مصرية مختلفة، وحتى ارتفاع سعر الدولار ومسلسل الحرائق وحوادث الطرق، للوصول إلى نتيجة مفادها أن ما أقدم عليه الشعب المصري في 30 حزيران (يونيو) 2013 أفسد طبخة كانت جاهزة، وضرب خريطة كانت تُرسم، وأطاح عالماً آخر كان على وشك الوجود، وعليه أن يتحمل نتائج ما أقدم عليه.
مسيرة «معاً من أجل الحياة» ليست على جدول اهتمامات الإعلام الغربي، رغم زخم الاهتمام الشعبي بها، طالما أنها لن تتجه إلى السفارة الإيطالية في القاهرة لإدانة الأمن المصري في قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، ولأنها غير مخصصة للاحتجاج على الاختفاء القسري ودعم التظاهر اللاإرادي، كما أن ليس في خطة القائمين عليها تحويلها إلى اشتباك مع الشرطة أو المواطنين. ولماذا يهتم الإعلام الغربي بمسيرة ليس من بين أهدافها طلب اعتذار من الرئيس؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق